"رأسمالية المحاسيب" .. عرض لكتاب الدكتور الراحل محمود عبد الفضيل

 عرض وكتابة: مدونة اقتصد

 يعد كتاب رأسمالية المحاسيب للاقتصادى الراحل الدكتور محمود عبد الفضيل من أبرز وأهم الكتب التى تتناول الاقتصاد المصرى من منظور اجتماعى؛ أى تأثيرات الإجراءات والسياسات الاقتصادية على الأوضاع الاجتماعية. وهذا الكتاب من القطع الصغير يبلغ عدد صفحاته حوالى مائة وثلاثين صفحة. 

يقدم لنا المؤلف فى الفصل الأول رؤية بانورامية نطلع فيها على  مدى التناقضات الموجودة فى المجتمع و الاقتصاد المصرى قبيل اندلع ثورة 25 يناير 2011. حيث يلحظ الكاتب أن هناك نوع من أنواع الازدواجية التى يعيشها الاقتصاد المصرى والتى انعكست على طبقات المجتمع المختلفة.

غلاف الكتاب .. مأخوذة بواسطة مدونة اقتصد
ونتيجة لتلك الازدواجية تعين على الكاتب تحليل أوضاع طبقات المجتمع بالتركيز على الطبقة الوسطى و العليا وهو ما فعله فى الفصل الثانى و الثالث. ففى الفصل الثانى يوضح الكاتب الآثار الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية  على الطبقة الوسطى والتى أصاب الطبقة العليا منها نوع من (الصرع الطبقى) فى محاولة منها للحاق بالطبقة الثرية العليا وتأثير ذلك الصرع الطبقى على أنماط استهلاكها ونوعية الخدمات التى تطلبها مثل التعليم. كما أن الفصل الثالث يحلل ما أصاب الطبقة العليا التى تسعى للعزلة بعيدا عن باقى الطبقات فى مجتمعات للصفوة وهو ما أدى إلى انتشار ظاهرة المجتمعات المسيجة المغلقة على اصحابها.

ومن خلال تحليل الكاتب للطبقة العليا نلحظ ظهور نوع جديد من الرأسمالية و هى (رأسمالية المحاسيب) وهو ما يوضحه الكاتب فى الفصل الخامس. فالرأسمالية المصرية التى تطورت من رأسمالية وطنية ممثلة فى طلعت حرب إلى رأسمالية المحاسيب والتي ظهرت بشدة فى التسعينيات مزاوجة بين المال و السلطة ومكونة لعدد من المراكز الاحتكارية.

كما يناقش الكاتب آليات الفساد التى أسهمت فى ظهور طبقة رأسمالية المحاسيب فى الفصل السادس. وما نتج عن كل تلك الاوضاع من فجوات فى توزيع الدخل وسياسات الأجور والاختلاف الشاسع فى الخدمات المقدمة مثل الخدمات التعليمية وهو ما تناوله الكاتب بالتفصيل فى الفصلين الأخيرين من الكتاب.

 

وجدير بالملاحظة أن الكاتب يوظف تاريخ الفكر الاقتصادى فى عرض أفكاره، فهو لا يقدم الأفكار المجردة لاقتصاديين بارزين مثل كينز وماركس ولكن؛ يقدم الأبحاث التى وظفت تلك الافكار والتحليلات. ولايقتصر الكاتب على عرض أفكار الاقتصاديين الغربين ولكن؛ يلجأ لمفكرين عرب مثل ابن خلدون فى صياغته لمقولة "الجاه مفيد للمال" بينما عملت رأسمالية المحاسيب على تطبيق هذه المقولة فعليا. بالإضافة إلى عودته لتاريخ الجبرتى وما ذكره عن الطبقة الوسطى كونها تمثل "مساتير الناس" في ذلك الوقت. وكذلك وصف محمد عمر للطبقة الوسطى بأنها "زهرة الأمة" فى كتابه حاضر المصريين وسر تأخرهم.

 

فرأسمالية المحاسيب ليس بالكتاب الاقتصادى القائم على إحصائيات مجردة -على الرغم من وفرة الإحصائيات الرسمية و تحليلاتها- إنما هو انعكاس لموسوعية الدكتور عبد الفضيل واستخدامه بحرفية لأدواته من تحليلٍ ووصفٍ دقيق. رحمه الله و نفعنا بعلمه.

تعليقات

المشاركات الشائعة